السبت، 31 مايو 2008

أشهر الأدباء المصريين وأشعارهم

أخواني أخواتي عشاق الأدب العربي :
يسعدني أن أقدم لكم هذه المقالات عن الأدباء العرب و المصريين فالأدب هو غذاء الروح و العقل و بدونه تصبح الحياة جامدة و باردة لا يمكن للانسان أن يعيش بها و لهذا أقدم لعشاق الأدب العربي أشهر شعراء العرب بالأضافة الي بعض من أشعارهم لكي نحلق سويا في أفاق الشعر الرحبة
امضاء: نور الشمس
ميادة يحي
بريد الكتروني : nour_elshams49@yahoo.com
أحمد شوقي
أمير الشعراء

كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحركة، كليل البصر.
وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.
ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري. وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب.
المولد والنشأة
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 من أكتوبر 1870م) لأب شركسي وأم من أصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.
وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ "محمد البسيوني"، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه، وكان الشيخ بسيوني يُدّرس البلاغة في مدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المصرية، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمه أنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته.
السفر إلى فرنسا
وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة، والتحق بقصر الخديوي توفيق، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة "مونبلييه" لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م)، ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر.
العودة إلى مصر
عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)، وولّوا حسين كامل سلطنة مصر، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد، فاختار النفي إلى برشلونة في إسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط.
شعره في هذه الفترة
ودار شعر شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذ أن جلس على عرش مصر حتى خُلع من الحكم، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض.
ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لا نقمة على المحتلين فحسب، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك، فهاجم رياض باشا رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر، وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها:
غمرت القوم إطراءً وحمدًا
وهم غمروك بالنعم الجسام
خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًا
أضيف إلى مصائبنا العظام
لهجت بالاحتلال وما أتاه
وجرحك منه لو أحسست دام
وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدة موجعة، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلا بعد فترة، وكانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركة الوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان، قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفى كامل وجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة:
المشرقان عليك ينتحبان
قاصيهما في مأتم والدان
يا خادم الإسلام أجر مجاهد
في الله من خلد ومن رضوان
لمّا نُعيت إلى الحجاز مشى الأسى
في الزائرين وروّع الحرمان
وارتبط شوقي بدولة الخلافة العثمانية ارتباطًا وثيقًا، وكانت مصر تابعة لها، فأكثر من مدح سلطانها عبد الحميد الثاني؛ داعيًا المسلمين إلى الالتفات حولها؛ لأنها الرابطة التي تربطهم وتشد من أزرهم، فيقول:
أما الخلافة فهي حائط بيتكم
حتى يبين الحشر عن أهواله
لا تسمعوا للمرجفين وجهلهم
فمصيبة الإسلام من جُهّاله
ولما انتصرت الدولة العثمانية في حربها مع اليونان سنة (1315هـ = 1887م) كتب مطولة عظيمة بعنوان "صدى الحرب"، أشاد فيها بانتصارات السلطان العثماني، واستهلها بقوله:
بسيفك يعلو والحق أغلب
وينصر دين الله أيان تضرب
وهي مطولة تشبه الملاحم، وقد قسمها إلى أجزاء كأنها الأناشيد في ملحمة، فجزء تحت عنوان "أبوة أمير المؤمنين"، وآخر عن "الجلوس الأسعد"، وثالث بعنوان "حلم عظيم وبطش أعظم". ويبكي سقوط عبد الحميد الثاني في انقلاب قام به جماعة الاتحاد والترقي، فينظم رائعة من روائعه العثمانية التي بعنوان "الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد"، وقد استهلها بقوله:
سل يلدزا ذات القصور
هل جاءها نبأ البدور
لو تستطيع إجابة
لبكتك بالدمع الغزير
ولم تكن صلة شوقي بالترك صلة رحم ولا ممالأة لأميره فحسب، وإنما كانت صلة في الله، فقد كان السلطان العثماني خليفة المسلمين، ووجوده يكفل وحدة البلاد الإسلامية ويلم شتاتها، ولم يكن هذا إيمان شوقي وحده، بل كان إيمان كثير من الزعماء المصريين.
وفي هذه الفترة نظم إسلامياته الرائعة، وتعد قصائده في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أبدع شعره قوة في النظم، وصدقًا في العاطفة، وجمالاً في التصوير، وتجديدًا في الموضوع، ومن أشهر قصائده "نهج البردة" التي عارض فيها البوصيري في بردته، وحسبك أن يعجب بها شيخ الجامع الأزهر آنذاك محدث العصر الشيخ "سليم البشري" فينهض لشرحها وبيانها. يقول في مطلع القصيدة:
ريم على القاع بين البان والعلم
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
ومن أبياتها في الرد على مزاعم المستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف:
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا
لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة
فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
ويلحق بنهج البردة قصائد أخرى، مثل: الهمزية النبوية، وهي معارضة أيضًا للبوصيري، وقصيدة ذكرى المولد التي مطلعها:
سلوا قلبي غداة سلا وتابا
لعل على الجمال له عتابًا
كما اتجه شوقي إلى الحكاية على لسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومكائده.
وقد صاغ شوقي هذه الحكايات بأسلوب سهل جذاب، وبلغ عدد تلك الحكايات 56 حكاية، نُشرت أول واحدة منها في جريدة "الأهرام" سنة (1310هـ = 1892م)، وكانت بعنوان "الهندي والدجاج"، وفيها يرمز بالهندي لقوات الاحتلال وبالدجاج لمصر.
النفي إلى إسبانيا
وفي الفترة التي قضاها شوقي في إسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة.
وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته "دول العرب وعظماء الإسلام"، وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته.
وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان "الرحلة إلى الأندلس"، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسي
وترفعت عن جدا كل جبس
وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها، ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه إلى مصر قوله:
أحرام على بلابله الدوح
حلال للطير من كل جنس
وطني لو شُغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني
شخصه ساعة ولم يخل حسي
العودة إلى الوطن
عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير "حافظ إبراهيم"، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.
لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن، يصيح فيهم قائلاً:
إلام الخلف بينكم إلاما؟
وهذي الضجة الكبرى علاما؟
وفيم يكيد بعضكم لبعض
وتبدون العداوة والخصاما؟
وأين الفوز؟ لا مصر استقرت
على حال ولا السودان داما
ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ أمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح، فنظم قصيدة رائعة مطلعها:
قفي يا أخت يوشع خبرينا
أحاديث القرون الغابرينا
وقصي من مصارعهم علينا
ومن دولاتهم ما تعلمينا
وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها:
بني سوريّة اطرحوا الأماني
وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
وقفتم بين موت أو حياة
فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حرٍّ
يد سلفت ودين مستحقُّ
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يُدَقُّ
ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية، فقد كان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتى إذا أعلن "مصطفى كمال أتاتورك" إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة، ورثاها رثاءً صادقًا في قصيدة مبكية مطلعها:
عادت أغاني العرس رجع نواح
ونعيت بين معالم الأفراح
كُفنت في ليل الزفاف بثوبه
ودفنت عند تبلج الإصباح
ضجت عليك مآذن ومنابر
وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ومصر حزينة
تبكي عليك بمدمع سحَّاح

إمارة الشعر
أصبح شوقي بعد عودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي
بشعر أمير الدولتين ورجِّعي
أعيدي على الأسماع ما غردت به
براعة شوقي في ابتداء ومقطع
أمير القوافي قد أتيت مبايعًا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
مسرحيات شوقي
أحمد شوقي و سعد زغلول
بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر، فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد.
وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة، استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهورًا، وواحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخ العربي القديم هي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"، وله مسرحيتان هزليتان، هما: "الست هدي"، و"البخيلة".
ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد.
وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث.
مكانة شوقي
منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.
وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمه وحديثه.
وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.
وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل، ووصف وحكمة، وله في ذلك أوابد رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية، مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة الآس"، و"أسواق الذهب"، وقد حاكى فيه كتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة.
وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة".
وفاته
ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في (13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م.


من مراجع الدراسة:
أحمد شوقي: الشوقيات – تحقيق علي عبد المنعم عبد الحميد – الشركة المصرية العالمية للنشر – القاهرة (2000م). *
شكيب أرسلان: شوقي أو صداقة أربعين سنة – مطبعة عيسى البابي الحلبي – القاهرة (1355 هـ = 1936م).
شوقي ضيف: شوقي شاعر العصر الحديث – دار المعارف – القاهرة (1975م). *

أحمد رامي
من مواليد 9/8/1892 بحي السيدة زينب بالقاهرة . تخرج في مدرسة المعلمين العليا عام 1914 ، وسافر في بعثة إلي باريس عام 1922 لدراسة اللغات الشرقية ، وفن المكتبات ، وعاد منها عام 1924 . دخل الحياة الأدبية عام 1918 حيث أصدر ديوانه الأول ، وكان صدور ديوانه هذا حدثا أدبيا ف! ي ذلك العهد حيث كان ديوانه لونا جديدا من الشعر اختلفت فيه المدرستان القديمة والحديثة ، وفي عام 1925 أصدر ديوانه الثاني والثالث ، وفي عام 1924 كتب أول أغانيه وهي " خايف يكون حبك ليه شفقة عليه " .
من أهـم أعمـاله : -
1( ديوان رامي بأجزائه الأربعة – أغاني رامي – غرام الشعراء – رباعيات الخيام ) ، ثم مجموعة ضخمة من الأغاني التي تغنت بها كوكب الشرق " أم كلثوم " والتي يصل عددها إلي ما يقرب من مائتي أغنية منها: " جددت حبك ليه " ، " رق الحبيب " ، " سهران لوحدي " .. كما ساهم في ثلاثين فيلما سينمائيا إما بالتأليف أو بالأغاني أو بالحوار ، من أهمها:
( نشيد الأمل – الوردة البيضاء – دموع الحب – يحيا الحب – عايدة – دنانير – وداد ). كما كتب للمسرح أيضا مسرحية "غرام الشعراء" من فصل واحد و ترجم مسرحية "سميراميس" ، في مجال ا! لترجمة ترجم كتاب "في سبيل التاج" عن فرانسوكوبيه" كما ترجم "شارلوت كورداي" ليوتسار ، ترجم "رباعيات الخيام" و عددها 175 و كانت أولي الترجمات العربية عن الفرنسية .
حصل علي العديد من الجوائز التقديرية:
في عام 1965 حصل علي جائزة الدولة التقديرية. سلمه الملك الحسن الثاني ملك المغرب في نفس العام وسام الكفاية الفكرية المغربية من الطبقة الممتازة . في عام 1967 حصل علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب . وفي عام 1976 أهداه الرئيس أنور السادات الدكتوراه الفخرية.حصل علي لوحة تذكارية محفور عليها اسمه من جمعية المؤلفين و الملحنين بباريس .
توفي في 5/6/1981

أحمد رشدي صالح
أول مؤلفاته كتاب «مسألة قناة السويس» ثم توالت مؤلفاته بعد ذلك و من أهمها : مشكلة السودان – كرومر في مصر – الاستعمار البريطاني – فلسطين – رجل في القاهرة - الزوجة الثانية – رجل يشتري الحب – علم الفلكلور – سيدة الفندق – أسد البحار - مسرحية «رجل فلاح» - الأدب الشعبي وهو الكتاب الذي وضع الأساس لدراسة الأدب الشعبي في مصر .
له في الشعر المنثور ثلاثية الحب همسا:(غدا ألقاك - غدا أنساك - هل رأيتم حبيبي (. عرف باتجاهه اليساري في أغلب ما كتب ونشر . نال جائزة في الأدب الشعبي من جامعة الإسكندرية عام 1967 0 عمل مدرسا للغة الإنجليزية عق! ب تخرجه في عام 1941 ، و ظل يعمل بالتدريس لمدة سنتين ، و في عام 1943 عمل مذيعا بالإذاعة المصرية0 انتقل للعمل بالصحافة حيث أصبح مسئولا عن رئاسة تحرير مجلة "الفجر الجديد" عام 1946، ثم رئيسا لقسم الأخبار و الترجمة بجريدة "صوت الأمة"، و في عام 1954 انتقل إلي جريدة الجمهورية رئيسا للقسم الأدبي فيها ، و في عام 1957عين مديرا لمركز الفنون ا! لشعبية و عضوا للجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للآداب ، كما عين مشرفا علي مسارح الفنون الشعبية و الفرق الاستعراضية عام 1964 0 انتخب عضوا عن الشرق العربي في لجنة الفلكلور الدولية التابعة لليونسكو عام 1967 أصبح عضوا بمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم عام 1971 ثم رئيسا لتحرير مجلة «آخر ساعة» عام1975- توفي في عام 12/7/1980.


أحمد لطفي السيد
من مواليد 15/1/1872 محافظة الدقهلية . مفكر وفيلسوف عربي ورائد من رواد الحركة الوطنية . حاصل علي ليسانس حقوق عام 1894. في الفترة ما بين سنتي 1906 ، 1914 تولى رئاسة تحرير " الجريدة " وجعلها منتدى أهل العلم والأدب والرأي الصحيح 0 في الفترة ما بين سنتي 1915 ، 1918 عين مديرا لدار الكتب المصرية 0 في عام 1925 عندما أنشئت الجامعة المصرية عين مديرا لها ،وفي عام 1928 اختير وزيرا للمعارف . في عام 1940 عين عضوا بمجمع اللغة العربية ، ثم رئيسا له.
وفي عام 1946 عين وزيرا للخارجية في وزارة إسماعيل صدقي ، ثم اختير نائبا لرئيس الوزراء ، وعضوا بمجلس الشيوخ
ترجم مؤلفات لأرسطو ، وتم تجميع خطبه ومقالاته وأحاديثه كتراث نفيس . أسهم في عدة مجامع لغوية وجمعيات علمية
نال جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1958 0 توفي عام 1963 بعد أن أدى رسالته المثلى في الجهاد والدعوة للوعي الفكري ، وكان من أبرز دعواته " مصر للمصريين " في مواجهة الاحتلال الإنجليزي ، كما سبق وطرح في فكرة باكرة عام 1912 خطة لاستقلال مصر ذاتيا عن تركيا ، وكان مفكر مجموعة حزب الأمة ، وأخيرا أطلق عليه لقب " أستاذ الجيل " لدوره الكبير في الدعوة لنهضة مصر وتطورها
التحق بخدمة القضاء ورقي إلي وظيفة مساعد نيابة عام 1896 ، ثم وكيل نيابة . في عام 1905 استقال من منصبه واشتغل بالسياسة وشارك في تأسيس حزب الأمة .توفي في 5/3/1963 .

ألفريد فرج
ولد ألفريد فرج في 14 يونيو/حزيران عام 1929 وحصل على ليسانس الآداب قسم الأدب الإنجليزي من جامعة الإسكندرية عام 1949، ثم عمل في مؤسسات صحفية عدة منها مجلة روز اليوسف ومجلة التحرير وجريدة الجمهورية. ساهم فرج في إنشاء الإدارة العامة للثقافة الجماهيرية بمصر وتأسيس فرق مسرحية إقليمية بالمحافظات.
كما أسهم مع زملائه من أمثال نعمان عاشور، وسعد الدين وهبة، وميخائيل رومان، ورشاد رشدي، ويوسف إدريس، في صنع نهضة مسرحية لم يسبق لها مثيل في الستينيات. حصل الراحل على العديد من الأوسمة والجوائز منها جائزة الدولة التقديرية، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، وجائزة الدولة التشجيعية للتأليف المسرحي، وجائزة الإمارات للأدب، وجائزة القدس من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وميداليات ودروع تكريم من مهرجان قرطاج بتونس ومسرح الخليج بالكويت.
كان فرج عاشقا للتراث العربي واستلهمه في كثير من أعماله مثل "حلاق بغداد"، و"الزير سالم،" و"علي جناح التبريزي وتابعه قفة"، ولتناوله التراث العربي قدمت مسرحياته عشرات المرات في جميع أنحاء العالم العربي. وتميز تناول الفريد فرج للتراث العربي بأنه يحيي التراث على خشبة المسرح كما لو كان جزءا من الواقع ولا يلجأ إلى الاستخدام السطحي للتراث في إسقاطات سياسية معاصرة. وكما قال يوما فقد تعامل مع التراث بهدف إحياء الصلة بين الجمهور و"ثوابت" التراث العربي.
لكن بعض النقاد رأوا في مسرحياته جوانب سياسية معاصرة مثل "الزير سالم" التي تتناول حرب البسوس، والتي رأى فيها البعض تصويرا للتمزق العربي، بل وعادوا إليها فيما بعد ليعتبروها نبوءة مبكرة بغزو العراق للكويت وما أعقبه. ومع عشقه الشديد للتراث فإن ثقافته الواسعة ومعرفته المباشرة لكل ما يجري في الحركة المسرحية في الغرب، جعلتاه قادرا على تقديم التراث بأسلوب مسرحي عصري دون أن يفرغه من مضمونه.
وأثارت لغة المسرح عنده اهتماما نقديا واسع النطاق لحيويتها الشديدة وخروجها على اللغة الشبيهة بلغة المقال التي استخدمها كثير من أسلافه. وكان ألفريد فرج يؤمن بضرورة أن تسهم اللغة في رسم صورة "بصرية" للنص انطلاقا من إيمانه بأن المسرح "فكر وفرجة".
ومن أعماله الأخرى "سقوط فرعون" أولى مسرحياته وقدمت في 1957 و"سليمان الحلبي" التي تناولت قضية الاستقلال الوطني، و"رسائل قاضي إشبيلية" والكوميديا الاجتماعية "زواج على ورقة طلاق"، ومسرحية "عسكر وحرامية" التي اتخذت شكل الميلودراما الشعبية و"النار والزيتون" عن القضية الفلسطينية.
وإلى جانب شهرته ككاتب مسرحي ألف روايات منها "حكايات الزمن الضائع" و"أيام وليالي السندباد" إضافة إلى مجموعة من القصص القصيرة. وترجمت بعض مسرحياته إلى الإنجليزية والألمانية.
توفي الكاتب المسرحي المصري ألفريد فرج في شهر ديسمبر 2005 عن عمر ناهز السادسة والسبعين عاما في أحد المشافي البريطانية بعد صراع طويل مع المرض.

أمل دنقل
اسمه الكامل أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل ولد عام 1941 في قرية "القلعة" مركز "قفط" بمحافظة "قنا" فى صعيد مصر، والده الشيخ فهيم كان يعمل مدرسًا للغة العربية بالمعهد الديني في "قفط" وكان من خريجي الأزهر الشريف الذي حصل منه على شهادة (العالمية) عام 1940، والدته سيده ريفية بسيطة لم تنل حظاً من التعليم وكان "أمل" أكبر أخوته الثلاثة حيث تلته أخته "أمينه" ثم أخيهما الأصغر "أنس".
كان والده بحكم عمله جعل العائلة في حاله تنقل ما بين قرية "القلعة" وعمله بمدينه "قفط" فهو في فترة الدراسة يقيم بالمدينة ليعمل بالتدريس وحين تنتهي الدراسة يعود لقريته وهذا التنقل قد أثّر في طبيعة أمل كثيرا فيما بعد، نشأ "أمل" في بيت أشبه بالصالونات الأدبية، فلم يكن والد أمل مدرساً للغة للعربية فحسب، ولكنه كان أديباً شاعراً فقيهاً ومثقفاً جمع من صنوف الكتب الكثير في سائر مجالات المعرفة لذا فقد تفتحت عينا الصغير على أرفف المكتبة المزدحمة بألوان الكتب، وتأمل في طفولته الأولى أباه وهو يقرأ حيناً ويكتب الشعر حيناً. لم يكد أمل يتم العاشرة من عمره حتى مات والده، وحرصت أمه الشابة الصغيرة التي لم تكن قد جاوزت النصف الثاني من عقدها الثالث على أن يظل شمل أسرتها الصغيرة ملتئماً، مع عناية خاصة توليها لمستوى الأولاد الاجتماعي من حيث حسن المظهر والتربية وعلاقاتهم بأصدقائهم.
إلتحق أمل بمدرسة "قفط" الابتدائية الحكومية التي أنهى بها دراسته سنة 1952 ثم التحق بمدرسة "قنا" الثانوية حيث زامل هناك مجموعة من الرفاق صار منهم فيما بعد الشاعر والمثقف والصحفي والسياسي .. فقد كان من أقرب أصدقائه إلى نفسه "عبد الرحمن الأبنودي" شاعر العامية الشهير و"سلامة آدم" أحد المثقفين البارزين فيما بعد و كان لهم الأثر الأكبر في تحويل مجرى دراسته الثانوية من القسم العلمي للقسم الأدبي.
لهذا كله ولموهبته الشعرية الباسقة لم يكد أمل ينهي دراسته بالسنة الأولى الثانوية إلا وكان ينظم القصائد الطوال يلقيها في احتفالات المدرسة بالأعياد الوطنية والاجتماعية والدينية، وهذه المطولات أثارت أحاديث زملائه ومناوشاتهم بل وأحقادهم الصغيرة أحيانا، فبين قائل بأن ما يقوله "أمل" من شعر ليس له، بل هو لشعراء كبار مشهورين استولى على أعمالهم من مكتبة أبيه التي لم يتح مثلها لهم، أما العارفون بـ"أمل" والقريبون منه فيأملون - من فرط حبهم لأمل- أن يكون الشعر لوالد أمل دنقل، عثر عليه في أوراق أبيه ونحله لنفسه شفقة على أمل اليتيم المدلل الذي أفسدته أمه بما زرعته في نفسه من ثقة بالنفس جرأته -في نظرهم- على السرقة من أبيه.
ولما أحسّ أمل من زملائه بالشك؛ تفتق ذهنه عن فكرة مراهقة جريئة وهي وإن كانت لا تتسق مع شخصيته الرقيقة إلا أنها فاصلة.. أطلق موهبته بهجاء مقذع لمن تسول له نفسه أن يشكك في أمل أو يتهمه، ولم يمض كثير حتى استطاع أمل دنقل بموهبته أن يدفع عن نفسه ظنون من حوله، ولما تفرغ أمل من الدفاع عن نفسه داخل المدرسة تاقت نفسه لمعرفة من هو أفضل منه شعرا في محافظته، فلم يسمع بأحد يقول بالشعر في قنا كلها إلا ارتحل له وألقى عليه من شعره ما يثبت تفوقه عليه، وكأنه ينتزع إعجاب الناس منهم أنفسهم.
طموحات شاعر:
ولما لم يكن هناك من يجده أمل مكافئا تاقت نفسه أن يلتقي بالشعراء الذين يرى أسماءهم على الدواوين الراسخة في مكتبته، وانصرف أمل عن أحلامه الدراسية وطموحاته العلمية إلى شيء آخر هو الشعر، ومما نُشر لأمل دنقل وهو طالب في الثانوية أبيات شعرية نشرتها مجلة مدرسة قنا الثانوية سنة 1956، وكتب تحتها: الطالب أمل دنقل يقول فيها:
يا معقـلا ذابت على أسـواره كل الجنود
حشـد العـدو جيوشه بالنار والدم والحديد
ظمئ الحديد فراح ينهل من دم الباغي العنيد
قصص البطولة والكفاح عرفتها يا بورسعيد وفي العدد التالي أفردت المجلة صفحة كاملة لقصيدة بعنوان: "عيد الأمومة"، وكتبت تحت العنوان: للشاعر أمل دنقل، وليس للطالب كسابقتها، جاء فيها:
ريج من الخلد .. عذب عطر وصوت من القلب فيه الظفر
وعيد لـه يهتف الشـاطئان وإكليله من عيون الزهر…
ومصر العلا .. أم كل طموح.. إلى المجد شدت رحال السفر
وأمي فلسطين بنت الجـراح ونبت دماء الشهيد الخضـر
يؤجـج تحنانهـا في القلوب ضرامًا على ثائر ها المستمر
وأمي كل بـلاد…. تثـور أضالعـها باللظى المستطـر
وحصل أمل على الثانوية العامة عام 1957، والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1958 لمدة عام واحد فقط، عاد الى محافظ قنا، وعمل موظفاً في المحكمة لكنه انشغل بالشعر والحياة وترك الوظيفة، ويغادر للقاهرة مره أخرى هائماً خلف شيطان شعره كما قال .. لكنه احتاج للوظيفة والعمل فعاد ليعمل موظفاً بمصلحه الجمارك بالسويس ثم بالإسكندرية، ولكنه عاد ليترك العمل نهائياً ويتفرغ لشعره عام 1971. وقد اتاحت له إقامته في القاهرة نقلة حقيقية في مجال القصيدة الدنقلية كما يقول عنه "قاسم حداد" في مقاله: "سيف في الصدر" في مجلة "الدوحة" أغسطس 1983: "دون ضجيج جاء إلى الشعر العربي من صعيد مصر، وكتب قصيدته المختلفة، وكسر جدران قلعة القصيد كما لم يعهد الشعر العربي القصائد ولم يعهد الكسور"، وهو يعبر عن ذلك حين يقول:
كنت لا أحمل إلا قلما بين ضلوعي
كنت لا أحمل إلا قلمي
في يدي: خمس مرايا
تعكس الضوء الذي يسري من دمي
افتحوا الباب
فما رد الحرس
افتحوا الباب ….. أنا أطلب ظلا
قيل: كلا
ثورة أمل على الثورة :
جاءت ثورة يوليو بشعاراتها الرنانة التي جذبت إليها الكثيرين، فقد كانت الثورة أملاً جموحاً للشعب الكادح ومنهم أمل دنقل الفقير ابن أقصي الصعيد، ولكن أمل لم تدعة الشعارات كغيره ممن انساقوا ورائها، فقد كان متنبهاً لأخطائها وخطاياها، فسجل رفضة للثورة بعين الباحث عن الحرية الحية والواقعية لا شعارها، فهو يرفض الحرية المزعومة التي فتحت أبواب السجون والمعتقلات، وضمت في غياهبها الكثير من أبناء مصر الذين لم ينساقوا ورائها، فيقول:
أبانا الذي في المباحث، نحن رعاياك

أبانا الذي في المباحث، نحن رعاياك
وباق لمن تحرس الرهبوت
تفرّدت وحدك باليسر
إن اليمين لفي خسر
أما اليسار ففي عسر
إلا الذين يماشون
إلا الذين يعيشون..
يحشون بالصحف المشتراة العيون فيعيشون
إلا الذين يوشُون
إلا الذين يوشون ياقات قمصانهم برباط السكوت
الصمت وشمك..
والصمت وسمك
والصمت أنى التفتّ

وقد نشر أمل دنقل قصيدته للمرة الأولى في مجلة (سنابل) التي كان يصدرها الشاعر محمد عفيفي مطر من محافظة كفر الشيخ, وطلب منه إغلاق المجلة بعد أن نشرت قصيدة (الكعكة الحجرية)، لكن القصيدة ظلّتْ تُقرأ في المحافل الطلابية التي حضرها أمل دنقل, وصاغ بقصيدته (أغنية الكعكة الحجرية) ذروة تعبيرها الاحتجاجي الذي تمثل في الاعتصام بميدان التحرير حول النصب الذي كان قائماً فيه, وهو الاعتصام الذي فضّته أجهزة الأمن بالقوة خوفاً من تفاقم نتائجه, فسقط بعض الطلاب ضحية الاصطدام. وانطلق صوت أمل دنقل يسجّل (الإصحاح الأول) من (سفر الخروج):
أيها الواقفون على حافّة المذبحه
شهروا الأسلحة!
سقط الموتُ; وانْفَرَطَ القلبُ كالمسبحهْ
والدم انساب فوق الوشاح!
المنازل أضرحَة,
والزنازن أضْرحَهْ
فارفعوا الأسلحة
واتبعوني!
أنا ندم الغد والبارحة
رايتي: عظمتان… وجُمجُمَة
وشعاري: الصباح.

بين يدي زرقاء اليمامة !!
ويستمر أمل دنقل يصارع الواقع العربي بإنتاج شعري وكانت هزيمة يونيو 1967(النكسة) بداية الإنعطافة الحقيقية لدنقل نحو الشهرة ونحو الشعر، وفي الأيام الأولى للنكسة أو الهزيمة كان أمل دنقل يقرأ قصيدة ( البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) قبل النشر وهي قصيدة جريئة أكدت خطواته على طريق الشعر ولم يكن قد بلغ الثلاثين من عمرة بعد، متخذا من الأسطورة رمزا كما عودنا من ذي قبل في كثير من قصائده، وكانت عنواناً لأهم دواوينه "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، وكان بعضهم يحذره من نشر القصيدة، وفيما تبقى من عام 1967 وإلى أوائل السبعينات كانت القصيدة على كل لسان، فقد كانت تعبيراً عميقاً وصادقاً عن الموقف فيقول:
أيتها العرافة المقدسة جئت اليك مثخنا بالطعنات والدماء
أزحف في معاطف القتلي، وفوق الجثث المكدسة
منكسر السيف، مغبر الجبين والأعضاء
أسأل يا زرقاء
كيف حملت العار
ثم مشيت، دون أن أقتل نفسي، دون أن أنهار
ودون أن يسقط لحمي من غبار التربة المدنسة
أعادت هذه القصيدة إلى الأذهان مأساة (زرقاء اليمامة) التي حذرت قومها من الخطر القادم فلم يصدقوها، كأنها صوت الابداع الذي كان يحذر من الخطر القادم في العام 1967 (النكسة) فلم يصدقه أحد إلا بعد أن حدثت الكارثة، وإذ أكد (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) التشابه بين الماضي والحاضر
تأتي التساؤلات في القصيدة لتجسد صوت المواطن العربي الذي ذبحته الهزيمة من جهة، وصوت الشاعر الذي خذلوه بعد أن حذرهم من جهة أخري، فتحدث الأبيات عن ذلك العبد العبسي البائس الذي دعي إلى الميدان والذي لا حول له ولا شأن، فانهزم وخرج من جحيم هزيمته عاجزاً، عارياً، مهاناً، صارخاً، كأنه صدى يجسد ما في داخل كل قارئ عربي للقصيدة في الوقت الذي كتبت فيه، وإذا كان صوت هذا العبد العبسي شاهدا على الهزيمة فإن بكاءه في حضرة زرقاء اليمامة -العرافة المقدسة- شاهد على ما يمكن أن يفعله الشعر في زمن الهزيمة، خصوصا من حيث هي صورة أخرى من هذه العرافة: يرى ما لا يراه الآخرون ويرهص بالكارثة قبل وقوعها، وينطق شهادته عليها وقوعها، ويتولى تعرية الأسباب التي أدت إليها، غير مقتصر على الإدانة السلبية في سعيه إلى استشراف أفق الوعد بالمستقبل الذي يأتي بالخلاص .
ويستمر الرفض..
وبعد ثلاثة أعوام تقريبا من وقوع الهزيمة التي مزقت حياة العرب المعاصرين رحل جمال عبد الناصر، وكانت وفاته أو بالأصح كان غيابه في الساحة العربية في مثل تلك الظروف الفاجعة هزيمة أخرى، وبعد رحيل عبد الناصر بأربعين يوماً التقى الشعراء العرب من مختلف الأقطار العربية لتأبين الزعيم الراحل وفي الاستراحة الجانبية للقاعة الكبرى للاتحاد الاشتراكي كان عدد من الشعراء والنقاد يقطعون الوقت في انتظار لحظة افتتاح الاحتفال التأبيني…
انفجر أمل في الشعر الحديث بهدوء؛ لكن بنوع مرير من السخرية لم تتوفر كثيراً في هذا الشعر، وصارت هذه الخاصية من أرقى ملامح شعره، فيقول:
(قيل لي أخرس)
فخرست، وعميت وائتممت بالخصيان
ظللت في عبيد "عبس" أحرس القطعان
أجز صوفها
أرد نوقها
أنام في حضائر النسيان
طعامي: الكسرة والماء وبعض التمرات اليابسة
وها أنا في ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان
دعيت للميدان
أنا الذي ما ذقت لحم الضان
أنا الذي لا حول لي أو شان
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان
أدعى إلي الموت .. ولم أدع إلي المجالسة
يتحدث هذا الجزي من قصيده البكاء بين يدي زرقاء اليمامة عن عبد من عبيد عبس يظل يحرس القطعان، يصل الليل بالنهار في خدمة السادة، طعامه الكسرة والماء وبعض التمرات اليابسة، وحين تقع الواقعة لا يملك هذا العبد سوى التوجه الى (زرقاء اليمامة) التي يعتبرها أمل كاهنه المستقبل ، كي ينفجر في حضرتها شعراً .
ويواصل أمل دنقل في عهد السادات أقسى درجات رفضه الاجتماعي والسياسي, خصوصاً في ما سمي عام الضباب, وتأتي اتفاقية كامب ديفيد فيكتب أمل دنقل : "لا تصالح"، فيقول فيها:
لا تصالحْ !
.. ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشتري !!!
لا تصالح على الدم .. حتى بدم
لا تصالح ! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ ؟ …. أقلب الغريب كقلب أخيك ؟
أعيناه عينا أخيك ؟!
وهل تتساوى يدٌ .. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها ………. أثْكَلك ؟
وكان أمل بدأ يكتب (لا تصالح) من قبل توقيع الاتفاق النهائي, لا لأنه يرفض السلام وإنما لأنه يرفض الاستسلام, ويتطلع إلى سلام عادل يعيد جميع الحقوق لأصحابها, وإلا فلا لزوم له, ولا مفر من مواصلة الكفاح من أجل استعادة الأراضي السليبة كلها، وما أسرع ما تحولت (لا تصالح) إلى قصيدة قومية يرددها كل الرافضين للتنازلات التي قدمها السادات ثمناً للصلح مع إسرائيل، وكانت حِدَّة رفضه السياسي في ذلك الوقت مقرونة بالسخرية التي كانت تدفعه إلى كتابة أسطر من قبيل:
أيها السادة: لم يبقَ انتظارْ
قد منعنا جزيةَ الصمت لمملوكٍ وعَبْدْ
وقطعنا شعرةَ الوالي (ابن هند)
ليس ما نخسره الآنَ…
سوى الرحلة من مقهى لمقهى
ومن عارٍ لعَارْ!!
وفي عام 1971 ينشر أمل دنقل ديوانه الثاني: "تعليق على ما حدث" ثم يأتي نصر 1973 وعجب الناس من موقف أمل دنقل الذى لم يكتب شعراً يمجد هذا النصر حيث يصدر ديوانه الثالث "مقتل القمر" عام 1974 دونما قصيدة واحدة تحدثنا عن النصر بل أنه يحذر ويتنبأ : ماذا بعد النصر؟، وفي 1975 يصدر ديوانه "العهد الآتى" الذى وصل فيه للقمة فى الشعر.
وفي أحد أيام ربيع عام 1976 يلتقي أمل دنقل بالصحفية "عبلة الرويني" التي كانت تعمل بجريدة "الأخبار" فتنشأ بينهما علاقة حب قوية تتوج بالزواج 1978، ولأن "أمل" كان كثير التنقل والترحال فقد اتخذ مقرًا دائما بمقهى "ريش"، وإذا بالصحفية "عبلة الرويني" زوجة الشاعر الذي لا يملك مسكناً، ولا يملك مالاً يعدّ به السكن تقبل أن تعيش معه في غرفة بفندق، وتنتقل مع زوجها من فندق لآخر، ومن غرفة مفروشة لأخرى.
أمل وبداية النهاية
أصيب أمل دنقل بمرض السرطان الخبيث عام 1979 لكنه كان صاحب إراده عالية فى صراعه مع المرض، ودخل أمل المستشفى للعلاج، وكان لا يملك مالاً للعلاج الباهظ الذي يحتاجه في مرضه، وبدأت حملة لعون الشاعر من قبل الأصدقاء والمعجبين، وكان أولهم "يوسف إدريس" الذي طالب الدولة بعلاج أمل على نفقتها، وبالطبع كالعادة لم توافق الدولة على علاج الشاعر المعارض المشاغب لكن أصدقاءه أقاموا حمله لمساعدته فطلب أمل منهم التوقف عن حملة المساعدة.
وظل أمل دنقل يكتب الشعر في مرقده بالغرفه رقم 8 بالمستشفى على علب الثقاب وهوامش الجرائد، ولم يهمل الشعر لحظة حتى آخر أيامه، حتى إنه يتم ديوانا كاملا باسم "أوراق الغرفة 8" نشرته زوجته بعد أربعين يوماً من وفاته بمساعده وزاره الثقافة
ووصولاً إلى المحطة الأخيرة الأكثر خطورة حياة وشعراً, في (غرفة رقم8) بمعهد الأورام وهنا تبدو مفارقة أخرى في رحلة المفارقات الشعريّة عند أمل دنقل, مفارقة كما يقول النقاد تبدو قليلة في تاريخ الإبداع والمبدعين; وهي الكتابة على عتبة الموت القادم حتماً, حيث الشخص الموشك على الإنطفاء النهائي, ينهي مسار تحديّاته للحياة والزمن ويستكين إلي قَدره;
وإذا ثمة كتابة فليست أكثر من شكوى قدريّة وبوح واسترحام بالمعنى البائس الذي يرتد إليه الكائن في لحظة الانكسار النهائي، في (غرفة رقم8) نقرأ كتابة مختلفة لأمل دنقل, استمراراً للرحلة الإبداعية برهافة وإشراق أكبر، خفّت تلك الجَلَبة في النص, وتعمق مكانها تأمل وجودي أكثر حضوراً عن ذي قبل في الحياة والموت والطبيعة.
ومن الطفولة يتذكر
(هل أنا كنت طفلاً
أم أن الذي كان طفلاً سواي?
هذه الصورة العائليّة
كان أبي جالساً وأنا واقف تتدلى يداي
رفسة من فرس
تركت في جبيني شجا وعلمت القلب أن يحترس)
ويمضي دنقل في تأمل الموت من خلال المشهد المحيط به, فيقول في قصيدة زهور حيث تتحدث له الزهرات الجميلة عن ساعة إعدامها لحظة القطف:
تتحدث لي الزهرات
الجميلة
أن أعينها اتسعت –دهشة
لحظة القطف
لحظة القصف
لحظة إعدامها في الخميلة
***
تتحدث لي
أنها سقطت من على عرشها في البساتين
ثم أفاقت على عرضها في زجاج الدكاكين
أو بين أيدي المنادين
حتى اشترتها اليد المتفضلة العابرة
كل باقة
بين إغفاءة و إفاقة
تتنفس مثلي -بالكاد- ثانية .. ثانية
و على صدرها حملت راضية
اسم قاتلها في بطاقة !!
توفى أمل دنقل يوم 21 مايو عام 1983 ودفن بمسقط رأسه فى "قفط" فى مقابر أسرته وأقيمت له جنازة بسيطة بحسب وصيته التى كانت أقصر وأشهر وصيه فى التاريخ الأدبى المعاصر .. سطرين فقط لا غير قال فيهما : "لا حزن ولا بكاء فقد حزنت وبكيت فى حياتى ما يكفى .. أوصيكم بأن تكتبوا على قبرى هذا قبر فلان ابن فلانه بن فلان وكل من عليها فان"
تولت زوجته الوفيه عبلة الرويني الاشراف على طباعة ما أتمه من أجزاء جديد من قصيدته المطوله (البكاء بين يدى زرقاء اليمامة) بعنوان جديد هو (أقوال جديدة عن حرب البسوس) فى ديوان كامل صدر عام 1984، قبيل نشر الأعمال الكاملة عام 1985 التي أشرفت السيده عبله على أكثر من طبعة لها.
صفات أمل الشخصية
المتأمل لشعر أمل دنقل وقصة كفاحه يستطيع أن يستشف بعضاً من صفات هذا الشاعر المتبتل في محراب الشعر، فأهم ما يميز أمل دنقل الحس العالي بالرجولة, الكرامة التي لا تقبل التنازل مهما كان هيناً, الاعتزاز بالنفس إلى أبعد حد, الترفع عن الصغائر, الوفاء النادر, الإخلاص الحقيقي, المحبة الخالصة, النهم المعرفي الذي لا يهدأ, روح الانطلاق التي لا تعرف السكون, رغبة المغامرة التي لا تخشى شيئاً, الوعي السياسي القومي الذي لا يقبل المهادنة ويرفض الاستسلام, احتقار المال على رغم الحاجة إليه, تقديس الشعر بصفته الفرح المختلس الذي يمنح الحياة معنى, الجسارة المتناهية في كتابته, والشجاعة القصوى في التعبير عن الرأي أو السلوك مهما كانت العقبات. كان أمل دنقل يرى عبر أقنعته وأساطيره التي يمتاز بها شعره ما سيؤول إليه الوضع العربي, من رعب وانحدار تتواضع أمامه أعتى المآسي في التاريخ وأكثرها هولاً.
رومانسية أمل دنقل
يظن الكثيرون أن شعر أمل دنقل كان سياسياً فقط، غير أن شعر أمل الرومانسي يقترن دائما بتوهج لحظات الحب القليلة التي مر بها، والتي جعلته يدرك أهمية المرأة في حياته، ويخلص لها ويغفر لها زلاتها، ما ظل مقتنعا بطيب عنصرها، ومؤمنا بالامكانات الخلاقة التي تنطوي عليها، ولذلك كانت المرأة التي أحبها هي الحضور الدائم الذي يمنح الحياة بهجتها، رغم كل عذاب الحياة، وكل إخفاقات الحب في الوقت نفسه، فنجدة يقول :
دائما أنت في المنتصف أنت بيني وبين كتابي
وبيني وبين فراشي وبيني وبين هدوئي
وبيني وبين الكلام ذكريات سجني
وصوتك يجلدني
ودمي قطرة ـ بين عينيك ـ ليست تجف
نجد في شعر أمل الرومانسي معاني جميلة، وتعبيرات مؤثرة، فيقول في قصيدة طفلتها من ديوان مقتل القمر بعد أن مرت خمس سنوات على وداع حبيبته وفجأة.. رأى طفلتها:
لا تفّري من يدي مختبئة
.. خبت النار بجوف المدفأة
أنا..
(لو تدرين)
من كنتِ له طفله
لولا زمان فجأة
كان في كفي ما ضيعته
في وعود الكلمات المرجأة
كان في حبي لم أدر به
.. أو يدري البحر قدر اللؤلؤة؟
إنما عمرك عمر ضائع من شبابي
في الدروب المخطئة
"ضدّ من" عنوان قصيدة لدنقل يلخص فيها معاناة البشر بقوله "ومتى القلب في الخفقان اطمأن؟"، في القصيدة يحتار دنقل بين السواد والبياض ومدلولاتهما وهو على سرير الموت والمرض، ولكنه يستقر مؤخراً على لون الحقيقة.. لون تراب الوطن:
في غرف العمليات
كان نقاب الأطباء أبيض
لون المعاطف أبيض
تاج الحكيمات أبيض
الملاءات
لون الأسرة , أربطة الشاش والقطن
قرص المنوم , أنبوبة المصل
كوب اللبن
كل هذا يشيع بقلبي الوهن
كل هذا البياض يذكرني بالكفن
فلماذا إذا مت
يأتي المعزون متشحين بشارات لون الحداد
هل لأن السواد
هو لون النجاة من الموت
لون التميمة ضد الزمن
بين لونين استقبل الأصدقاء
الذين يرون سريري قبرا
يرون حياتي دهرا
وأرى في العيون العميقة لون الحقيقة
لون تراب الوطن
كان هذا هو أمل دنقل شاعر الفقراء والمهمشين في الحياة, إنه الأيقونة في عصر فقد براءة الأشياء وركض خلف السراب .. أمل دنقل الشاعر العربي المصري الذي غاب عنّا منذ 33 عاماً تاركاً لنا "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة","تعليق على ما حدث","مقتل القمر","العهد الآتي","أقوال جديدة عن حرب البسوس","أوراق الغرفة 8" وهي آخر مجموعة شعرية مصارعا الموت بالأمل والصمود

و في المرة القادمة سوف نتعرف علي مجموعة أخري من الأدباء و الكتاب المصريين و العرب من خلال موقع :
http://www.diwanalarab.com/spip.php?rubrique83

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية